يافع الحِمْيَريَّة القحطانية قبيلٌ ضخمٌ، ومِخلافٌ واسعٌ من بلاد اليمن له جذوره الضاربة في عمق التاريخ؛ تقع شمال شرق مدينة عدن، وتمتاز بموقع جغرافي متوسط في جنوب غرب الجزيرة العربية، سمح لها أن تؤثر وتتأثر في معظم المناطق المجاورة لها، وفي الدول التي ظهرت في جنوب الجزيرة العربية في مختلف العصور.
وتُنسَب إلى بطنٍ من (ذِي رُعَيْن)؛ إحدى البطون الكبيرة من حِمْير؛ و(ذو رُعَيْن) ملك من ملوك حمير، وارتبطت يافع الحميرية المعروفة بــ(سَرو حِمْيَر) بظهور الدولة الحميرية في أرض يافع؛ فقد قامت في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، واستمرت هجرة (حِمْيَر) إليها إلى ما قبل الميلاد، وعُرِفَتْ أيضًا قديمًا باسم (دهس)؛ التي أسهمت بحظ وافر في بناء الحواضر الجنوبية، وساندتها في السيطرة والحكم، وكذا في العهد الحِمْيَريِّ الذي كانت أرض يافع المسكن القديم للحِمْيَرِيِّينَ.
حينما ظهر الإسلام أقبلت (يافع) بوفدها داخلةً فيه طواعيةً، وأسهم رجالُها في الفتوحات الإسلامية في مصر والمغرب والشام وغيرها؛ وكانت (يافع) في طليعة جيش المسلمين الفاتح لمصر، وكان الصحابي مبرِّح بن شهاب اليافعي ـ رضي الله عنه ـ على مَيْسَرَة عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ في هذا الجيش مع بعض رجالات يافع، واختطُّوا الجيزة.
وفي المغرب العربي كوَّنوا قوة كبيرة في جيش موسى بن نصير اللّخمِيّ، واستوطنوها كما استوطنوا قبلها مصر.
وقد عَرَفَتْ يافعُ التقسيم القبلي الإداري منذ أزمنة متقدمة؛ إذ قَسَّمَ اليافعيون عشائرهم اليافعية إداريًّا على عشرة مكاتب، والمكاتب: جمع مَكْتَب، من المكاتبة؛ أي: العهد والاتفاق والمغنم والمخصم والمغرم، والمكتب مجموعة من القبائل المتحالفة المجتمعة على شيخ واحد، وعلى وفق ذلك قسَّموا أرضهم إداريًّا على قسمين رئيسين: (يافع العُليا)، و(يافع السُّفلَى)؛ وتُكوِّن (يافع العُليا) بنو مالك؛ وهي عشائر وقبائل المكاتب الخمسة: المُوْسَطة ، ولَبْعوس، والضُّبِيُّ، والحَضْرَمِيُّ، والمفلحي. وتتكوَّن (يافع السُّفلى)؛ بنو قاصد، وهي عشائر وقبائل المكاتب الخمسة: اليَهَرِيُّ ، والكَلَدِيُّ ، والسَّعْدِيُّ ، واليَزيدِيُّ، والنّاخبِيُّ. وهذه المكاتب العشرة قُسِّمت إداريًّا على سلطنتينِ رئيستينِ، وهذا من حسن التقاسيم الإدارية العادلة؛ التي جَمعت الكيان اليافعي، وجَمعت كلمته تحت قياداته.
وفي التقسيم الإداري الحديث تُشكِّلُ يافعُ بمساحتها الكبيرة وبمديرياتها الثمان (لبعوس، ويَهَر، والمفلحي، والحَدّ)؛ التابعة لمحافظة لحج، و(رُصُد، وسَرَار، وسبّاح، وخَنْفَر)؛ التابعة لمحافظة أبين، وبتعداد سكانها الكبير، ثِقَلًا ومكانةً مهمةً في جنوب اليمن.
وتمتاز يافع بمناخ صيفي معتدل، وطبيعة خلَّابة متنوعة، ومرتفعات ضبابية، وسُهُول ووِديان وشِعاب خضراوية، وبناء عمراني متفرِّد في المساكنِ والحُصُونِ والقِلاعِ. ويعتمد أكثرُ أهلِها المقيمين فيها على الزراعة، وينمازون بالشدة والصلابة والإباء تأثُّرًا بيئتهم الجبلية، وباللين والعطاء من طبيعة أراضيهم الزراعية، فجمعوا بين الحُسْنَيَيْنِ، وصارت تلك الصفات سماتٍ لهم في موطنهم الأصلي، وفي غربتهم في بقاع العالم التي صارت موطنًا ثانيًا لهم، فاستوطنوا بعض مناطق جنوب اليمن؛ مثل: (عدن وحضرموت)، وهاجروا إلى دول الخليج العربي ومصر والمغرب والهند وإندونيسيا وبريطانيا وأمريكا وغيرها، واشتغل أكثرهم بالتجارة، فعُرِفوا بصدق المعاملة والأمانة في حِلِّهم وتِرحالهم.